- المعذرة … هل لي بسؤال؟
…..
- من اي بلد انتم؟
……
- ما اللغة التي تتحدثانها؟
- ولماذا هذا السؤال؟
- اهي العربية؟ ام الفارسية؟
- انها العربية
- ومن اي بلد انتم؟
- من عربستان (قال احد العربيين بنبرة اختلط فيها الحذر بالتهكم)
- ماذا؟ هيا اخبراني، اين في عربستان؟
- وما البلاد التي تعرفها؟
- اعرف العراق، مصر، السعودية، عمان ….
- نحن من العراق
- اه، هذا جميل، وهل زرتم الزقورات؟
- انا لم ازرها، هل زرتها انت يا (أ)؟
- كلا لم ازرها (اجاب أ)
- هل زرتما اثار بابل؟
- الاثار شئ من الماضي الآن، لقد زرتها ولكنها الان قد بنيت مرة اخرى، لا اعتقد انها تعد اثاراً الآن
- (غمغمة مضطربة)
……
- حسنا انا اسف لمقاطعتي لكم بهذا الشكل، لم يكن هذا لائقاً
لملم اكياسه الاربعة مع خيبة امله من على المنضدة والارض، وحمل حقيبتاه وادار وجهه وابتعد. كان منظره من الخلف يعكس تناسقاً لونياً رتيباً، رفع الاكياس الى ظهره فاختلط بياضها ببياض قميصه. بنطاله وحقيبة ظهره فاحمات السواد. حقيبة ظهره كانت تشابه تلك التي اشتراها احد العربيين، ارخص المعروضات في احد الاسواق التجارية. لم يستطع الصديقان فهم الموقف فوراً وبدءا حديثا كان من الواضح انهما عانيا في سبيل دفعه. لمَ يسأل هذا الغريب عن اللغة التي يتحدثانها؟ ماذا تخفي هذه الاكياس؟ هل سيعود اليهم برفقة البوليس؟ ام سيذهب ويتركهم يترقبون؟ اهو معتوه ام ان الخمر والمخدرات فعلت في رأسه فعلها؟ كانت تمر في رؤوسهم كل تلك الاخبار، وضحايا الارهاب، واللغات الشرقية، والبشرات السمراء التي كانت تذاع يومياً على محطات الاخبار الامريكية.
لم تكن الامور مشجعة ابدا. كان هذا اللقاء الاول لكليهما مع شخص مألوف بعد اشهر من العزلة الاختيارية .. وهل كانت فعلا اختيارية. كانا للتو يتحدثان عن ما آلت اليه الاوضاع في بلدهما الام الاول، وبلدهما الام الثاني، وعن ما تؤول اليه في ما قد يكون بلدهما الام الثالث. يعتقدان انهما احسن حالا من آخرين لهم ابتعدوا عنهم قسراً. قضوا حياتهم مرتحلين يحملون وطنهم في متاعهم. تعلموا ان لا يغرسوا جذورهم عميقة كي لا يصعب عليهم تقطيعها حين تجف الينابيع حولهم. كانا قد انتهيا للتو من شرب نخب مستقبل عُلقت عليه زينة بالية من ماضيهم. قالوا ان القادم اجمل، و اخفضوا ابصارهم لكي لا يرو كذبهم في عيونهم.
"اعتقد انه ليس بكامل وعيه"، قال احدهما وهو يراقب ذات الاكياس البيضاء تبتعد حاملة الراس الشقراء فوقها. اكملا حديثهما عن بلدهما الام رقم ثلاثة والذي وجدا انفسهما فيه بدون الكثير من الخيارات. تناقشا حول الرأسمالية ومصاعبها، وكيف انها احالت هذا المسكين الى “هوملس”. حركا رأسيهما بالايجاب، مع انهما كانا يخفيان اعتقادات اخرى. من السهل جدا ان تكون محله، "يستوقفك شرطي لتجد نفسك بلا مسكن او سيارة او هوية"، قال احدهما. "من الممكن ان ياخذون حتى اطفالك منك" قال الوالد فيهما بصوت خفيض مقشعر.
في داخله كان احدهما يحاول اعادة الهوملس الى انسانيته. لماذا لم احادثه، نعم انا خائف منه ولكن اليس هو خائف مني الآن اكثر. لقد حللت لنفسي ما حرمته على الآخرين، حللت لنفسي خوفاً لطالما عرفت انه سبب الكراهية التي تخدر نصف هذا البلد. "لقد آن الاوان" قال لصاحبه، "لنحمل اكواب القهوة البلاستيكية الى سلة القمامة، وبقايا هذا اليوم".
٧ اوغسطس ٢٠١٧ ساكرمنتو، كاليفورنيا
Comments