top of page
  • Writer's pictureMuhannad Sarhan

اكعد واسكت

Updated: Sep 12, 2022

لدي صديق عزيز جداً، طيب وخلوق، قريب عند الشدائد. هذا الصديق لديه لازمة لفظية دائما ما تكون حاضرة حديثنا – وفي بعض الأحيان تكون السبب لحديثنا – وهي مقولة "أكعد واسكت". أصبحت هذه اللازمة ما يذكرني بهذا الصديق لكثر ما سمعتها منه.

وهذه ال"اكعد واسكت" كلمتان خفيفتان على اللسان شديدتان في التثبيط. تتباين ردات فعلي لها ما بين الضغط اكثر ومحاولة وإقناع المتلقي بأهمية ان لا تكعد وتسكت، او محاولتي تشتيت ذهني للحفاظ على خلايا الدماغ من تسجيل كلام مستهلك وغير مفيد.

وصديقي هذا ليس الوحيد الذي يعاني من هذه اللازمة. بل انني سمعتها من الكثير من أصدقائي الآخرين، ومن اهلي، ومن اخوتي، ومن خالاتي .. والكثير من المعارف والغرباء. واجزم انكم سمعتم هذه الاكعد واسكت كثيراً مثلي، من اصدقائكم واهلكم واقربائكم وغربائكم. ويبدو لي انها احدى القواعد التي تربينا عليها، وقد يعتبرها الكثير من الفضائل.

تستدعي فضيلة الاكعد واسكت ان لا يكون للفرد رأي قوي وواضح حول في الكثير من الامور. كما يحرص المؤمنون بها عدم اظهار رغبات خارجة عن المألوف وعما يفضله الآخرون. فضيلة الاكعد واسكت على متبعيها على المستوى الشخصي، ان يكونوا قنوعين، قانتين، راضين بما لديهم .. لانهم يجب ان يكونوا ممتنين انهم حصلوا على ما لديهم وان يستكثروا في انفسهم حقوقهم. على سبيل المثال، عليهم ان لا يبحثو عن وظيفة فيها بعض المخاطرة، ان لا يبدأو عملهم الخاص، ان لا يهاجروا لبلدان أخرى، عليهم بين حين واخر ان يقبلوا بالقليل من الظلم بحقهم وحق الآخرين من حولهم، وخصوصاً اذا كانوا نساء او زوجات او أقليات او أبناء وبنات لاباء متعسفين .. وهكذا تصبح الأمور "رواق" كما يقول اللبنانيون.

وعلى المستوى الوطني والعالمي فان هذه الفضيلة تستدعي ان تلزم منزلك وتراقب العالم الخارجي يحترق وانت غير مبال. ان تغض النظر عن بعض الأخطاء لان مصالحك البسيطة اهم من هذه المبادئ. ان ترى بلدك او محيطك يتغير ويتخبط ويعمر ويندمر بينما انت كاعد وساكت. فليست الاكعد واسكت بإخفاء الآراء فقط .. ولكن الافعال كذلك.

ويتبع الكثير من المهاجرين هذه الفضيلة، ويعانون خصوصاً عند هجرتهم لبلدان تعيش بمبادئ مغايرة لمبادئ مجتمعاتهم، مثل الفردية والتعبير عن الذات والسعي للتصحيح وانكار الخطأ. وفي حالة الدايسبورا العراقية فان الكثير من المهاجرين او المهجرين العراقيين – في الخارج وفي الداخل – اليوم يجدون انفسهم يتم اختبار هذه الفضيلة يومياً.

ويخيل لي ان من اكثر ما يمكن ان يولد هذه الاكعد واسكت في احدى النقاط التالية:

  1. الخوف من اتخاذ المخاطر ودفعها وعدم الولوج فيها، مع ان هذا الخوف مبرر في بعض الاحيان لحماية النفس والآخرين.

  2. الخوف من تغيير الوضع الحالي او كما نقول في العراق "شين التعرفة احسن من زين الماتعرفة"

  3. التخوف من تسليط الاضواء على الفرد والخروج عن أفكار الجماعة

  4. الخوف من الاشتراك في أنشطة وأفكار قد لا نكون الموجه او القائد فيها، وبمصطلح آخر الغيرة من الآخرين

  5. عدم تعاطفنا مع الآخرين وخصوصاً عندما يكونوا مختلفين عنا

  6. استسهال نقد الاخرين واستصعاب القيام بالعمل

  7. قصر النظر والتركيز في التفاصيل، وفقدان التفكير بعيد المدى والتفكير الشمولي

وكما يعلم القارئ الكريم، فاننا نعاني من ازمة قيادة في الوطن العربي والمجتمعات والجاليات العربية، وقد تكون ازمة القيادة في العراق من اكثرها. ولا اقصد بالقيادة على المستوى السياسي والمهني فقط، ولكن على جميع الاصعدة. وقد نتج هذا من توالي عقود من حكم القائد الأوحد واتباع الحزب الواحد، مما حرم الافراد من القيادة الا لمن كان مقرباً من السلطة. كما إن ازمة القيادة تتولد من عدم التركيز بصورة فعالة وهادفة على بناء القادة وتطويرهم، وقد يظن البعض ان القادة وليدو الصدفة والوراثة ولكن هذا غير صحيح. بما اننا كعراقيين نتحدر من بلد لا يستثمر الكثير في بناء القادة، فيتعين علينا فعل ذلك بانفسنا.

اذا اردنا بناء وطن مدني يجاري المجتمعات المتحضرة إقليميا وعالمياً، فإننا نحتاج لتظافر جميع الجهود وابداء رأينا بالقضايا المصيرية والعمل على تغيير واقعنا. وهذا يعني اننا جميعا لدينا الفرصة للقيادة، وليس هناك داع للتنافس في قيادة هدف دون الآخر. في كل منا قائد صغير، وهذا القائد سيكبر بالدعم والتوجيه والتدريب. ولكن من اهم صفات هذا القائد ان يكون مشاركاً وشجاعاً في مواقفه، وان لا تكون الاكعد واسكت ضمن قاموس كلماته. وهذه دعوة لكل من يهمه الامر لاتخاذ خطوات جدية للتصحيح .. ولنبدأ بمعرفة الذات واكتشاف ان كنا من متبعي الأكعد واسكت. هل تجد نفسك تردد هذه اللازمة كثيراً. هل تقوم احياناً بمعارضة الآخرين عند ابداءهم لآراء قد تبدو جريئة بدون سبب مقنع. كمثال عن ذلك، هل قلت يوماً لشخص ان لا يشارك في تظاهرة لان هذه التظاهرة ليست مهمة لك، او حاولت اقناعه بعدم جدوى تركه وظيفة حكومية او خاصة لتحسين مستواه؟ اذا اكتشفت انك قمت بكل هذا، فقد اكتشفت فرصة للتطوير .. ومن هنا تستطيع البدء بالتغيير.

ان كانت لغة هذا المقال تشبه لغات الكثير من المقالات التي قرأناها عادة فانا استمحيكم عذراً .. ليس هذا القصد. اذ اننا نشأنا على الكثير من الخطابات الرنانة ومعها تناولنا الاكعد واسكت على اطراف كل خطاب. ولكن لدينا جميعاً الفرصة لتغيير هذه الاكعد واسكت. وهذه دعوة صادقة لنقوم بذلك جميعاً .. واملي ان نتوقف جميعاً عن استخدام هاتين الكلمتين نهائياً.

198 views0 comments

Recent Posts

See All

رأي

اتريدني ان اصدق بان لي رأي بان ما افكر فيه ويختلف عن الآخرين يمكنني اعلانه واني اذا قلت ما يدور في رأسي لن تسجنني ولن ترهبني ولن تحكمني حكم ماذا تعني كلمة حكم ججمنت Judgement لم اسمعها كثيرا من قبل اذ

bottom of page